مقالات

رأي اعلامي أ/شاذلي عبدالسلام محمد 🖋️ *موت معلق*

*رأي إعلامي*

أ/شاذلي عبدالسلام محمد

*موت معلق*

🔹في غزة لا تدور عقارب الساعة كما في بقية الأرض فالزمن هناك لا يقاس بالدقائق بل بعدد الصواريخ و بعدد الجثث و بعدد الصيحات المكتومة في حلق أم تحت الأنقاض تبحث عن بقايا صغيرها بين غبار الإسمنت المحترق……

🔹في غزة لا يولد الأطفال كما يولدون في روايات الحب بل يولدون على حافة الموت وفي عيونهم دهشة خرساء كأنهم يعلمون أنهم لم يدعوا إلى الحياة بل إلى نهاية مؤجلة و يولدون ليكونوا صورا على الجدران أو أسماء على أطراف القوائم الطويلة التي تبثها الشاشات في منتصف الليل…..

🔹عزيزي القارئ غزة لا تشبه مدينة ولا قرية ولا حتى أطلالا… هي سؤال لا إجابة له وجرح لا يترك ليشفى بل يحفر كل صباح من جديد و كل بيت فيها رواية ناقصة وكل شارع مرثية مفتوحة و كل نافذة تطل على خوف لا ينتهي و كل سرير لا يحتضن نوما بل احتمالات…..

🔹الذين يعيشون هناك لا يعيشون بل ينجون أو يحاولون و هم لا يحلمون بل يتذكرون الأحلام التي لم تتح لهم فرصة أن يعيشوها و هم لا يخططون للغد بل يخططون للنجاة من الليل لأن الليل في غزة ليس زمنا للهدوء بل توقيت للصواريخ…..

🔹عزيزي القارئ هل سمعت من قبل عن مدينة لا ينام فيها أحد؟ في غزة النوم ترف لا يمنح إلا للموتى… وفي هذا الموت لا توجد جنائز بل قبور جماعية تحفر على عجل ووداع لا يستمر أكثر من دقيقة لأن طائرات الموت لا تنتظر لحظة بكاء….

🔹في غزة الحزن ليس طارئا بل نمط حياة والدمعة لا تحتاج إلى سبب لأنها لا تجف أساسا….

🔹لا تسأل عن المدارس فهي الآن رماد و لا تسأل عن المستشفيات فهي تضرب قبل أن تبنى ولا تسأل عن الأمل فهو تحت الركام وربما ما زال يتنفس… أو ربما لا….

🔹تخيل أن تستيقظ كل يوم على احتمال أن لا تراه و أن تكون كل لحظة هي اللحظة الأخيرة و أن تعيش وفي فمك طعم التراب وفي قلبك شبح صاروخ وفي جيبك وصية كتبت قبل الأوان….

🔹كل بيت في غزة لديه حكاية وكل حكاية تنتهي بالعبارة نفسها (وماتوا جميعا )…وحده العالم يكرر الصمت وصمت أخطر من القتل و صمت يساوي المشاركة…..

🔹أي نوع من البشر نحن؟ أي قسوة في هذه البشرية تجعل من موت الأطفال مشهدا مألوفا؟ كيف أصبح الخبر عن مجزرة في غزة مجرد عنوان يتجاوزه المتصفح دون أن يتوقف؟ كيف خدرنا أنفسنا بهذا الشكل؟ هل حقا ماتت أرواحنا قبلهم؟…

🔹في غزة لا يكتب الشعراء لأن الحبر صار دما لا يغني المغنون ولأن اللحن الوحيد هو صفير الطائرات و لا ينادي العشاق لأنهم صاروا ترابا وحده الحزن يمشي في الطرقات بلا استئذان….

🔹وإذا سألت الغزي (كيف حالك؟ )سيبتسم ويقول (نحن أحياء مؤقتا )….

🔹إنها مؤقتية تقطع القلب فكل شيء هناك مؤقت فالكهرباء، الماء، الخبز، النوم، والأهم… الحياة….

🔹غزة لا تحتاج إلى عطف العالم بل إلى ضمير و لا تحتاج إلى رسائل تضامن بل إلى فعل وإلى يد توقف آلة القتل و إلى صوت يقول “كفى” بصوت أعلى من أصوات القنابل….

🔹غزة لا تموت فقط… بل تقتل كل يوم برصاصة واحدة اسمها اللامبالاة….

🔹في النهاية نحن جميعا بطريقة ما ضحايا هذا “الموت المعلق” حتى ونحن نعيش… لأن الإنسانية التي لا تهتز لغزة ليست إنسانية تستحق أن تعاش…

🔹الي ان نلتقي…..

٥ أبريل ٢٠٢٥م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى